البعض يميل إلى ربط كل شيء بعلل غيبية لا تخضع لأي دليل منطقي أو ملموس. المشكلة الأكبر تكمن عندما يصبح هذا التفكير سببًا لتجاهل آلام الأفراد ومعاناتهم الحقيقية. فالإنسان الذي يعاني قد لا يجد في محيطه من يسمع أو يفهم، بل يُقابَل غالبًا بالتبريرات الجاهزة، مثل: “أنت فقط متعب وتحتاج للراحة”. هذه العبارات قد تبدو مريحة لمن ينطقها، لكنها تحمل في طياتها إنكارًا صارخاً لمعاناة الآخر، وكأن الألم الذي يشعر به لا يستحق النقاش أو الفهم.
من هذا المنطلق، يصبح تبرير الظلم أو القهر الذي يعيشه البعض أمرًا مقبولًا في نظر المجتمع، خاصة حين يكون هذا التبرير مستندًا إلى فكرة غيبية توهم الإنسان أن لكل شيء سببًا إلهيًا، وأنه “قدر مكتوب”. ولكن، في الوقت نفسه، هذه التفسيرات تغلق الأبواب أمام أي محاولة لفهم الأسباب الحقيقية للمعاناة.
كما أشارت أم كلثوم في أغنيتها “إمتى الهوى”، حين تساءلت بمرارة: “في شرع مين يا منصفين العمر كله لوم في لوم”، فهي تعكس حالة من الظلم المستمر، حيث يُصبح الإنسان محاصرًا باللوم بدلًا من التعاطف والفهم. حين تسود هذه العقلية، يصبح الصمت والتحمل هو الملجأ الأخير، لكن هذا الصمت، الذي يُفرض على الإنسان قسرًا، ليس علامة على القوة أو الرضا، بل هو بداية الانفجار الداخلي الذي يولّد الكبت والصدمة والأمراض النفسية.
أن يمنع المجتمع الفرد من التعبير أو يحرمه من محاولة تبرير نفسه هو ظلم أكبر من حكم جائر يصدره قاضٍ على شخص بريء. فحين تُقطع سبل التواصل، ويُدفن الشعور تحت ركام من الصمت، يصبح الألم جزءًا دائمًا من الوجود. هنا، المعاناة لا تعود مجرد عرض، بل تتحول إلى جوهر الحياة، وتنشأ بذور مجتمع يفتقد القدرة على التعاطف، حيث يصبح الألم شيئًا عاديًا، يُغض الطرف عنه، ولا يُناقَش إلا همسًا.
إن بناء مجتمع صحي يبدأ من الاعتراف بمعاناة الآخر، منحه فرصة التعبير، ومن ثم العمل على فهم ألمه بوعي حقيقي، بعيدًا عن التبريرات الجاهزة أو الأحكام المطلقة. ففي ظل غياب هذه القيم، يتحول الإنسان إلى كائن فاقد للشعور، مجرد آلة تعيش لتتحمل.